النشــأة العضوية الرؤسـاء الأعضـاء المنشورات آفــاق أنشطة بلاغــات مؤتمــرات
المنشـورات الإلكترونية مواقف معادية للاتحاد

المؤتمـر السـادس عشـر (صفحة قيد الإنشـاء)

(انتخاب الأستاذ عبد الحميد عقار رئيسا جديدا للاتحـاد)

 

كلمة الشاعر حسن نجمي الرئيس السابق للاتحـاد

في كلمة الشاعر حسن نجمي (الرئيس السابق) في الجلسة الافتتاحية:

لي أمل أن تتحرر إرادة الكاتب المغربي

تغمرني مشاعر خاصة وأنا أقف أمامكم لأعلن عن افتتاح أشغال المؤتمر الوطني السادس عشر لاتحاد كتاب المغرب· ومازلت في هذا المكان بالذات مغمورا بدفء وجمال الكلمات الودودة الناعمة النفاذة المتقدة لأحد أكبر شعراء العربية وأحد صناع الجمال الشعري في الأدب الانساني المعاصر·

كأن موتمرنا بدأ وانتهى بالأمس حين دشنت غبطة القصيدة عرسنا وعلمتنا أن مؤتمرات الشعراء والكتاب والأدباء ليست بالضرورة محطات للمناورة والحسابات السياسية والتنظيمية المعتمة، وإنما يحقُّ لنا أن تكون مؤتمراتنا فضاءات لتجديد اللقاء والعلائق ونسج صداقات جديدة وللإنصات لبعضنا البعض بخصوص مصير ما نكتبه وننتجه أدبيا وفكريا في سياق من التحولات والإبدالات الجديدة في الثقافة والمجتمع·

والواقع أن اتحاد كتاب المغرب بالذات كان قد تأسس، قبل نحو نصف قرن تقريبا، نتيجة تحولات ثقافية ومجتمعية في مغرب نهايات الخمسينيات وبدايات الستينيات من القرن العشرين، بل كان في عمق التحولات الأدبية والفكرية الحديثة· وإذا كانت بلدان وتجارب أخرى تتأسس فيها الاتحادات والروابط لتجمع شعراء وروائيين وقصاصين ونقادا وكتابا مسرحيين في إطار موحد، فإن ميلاد اتحاد كتاب المغرب شكل إطارا حيويا لاستيلاد وإنضاج شروط ميلاد الأجناس الأدبية الجديدة وبلورة المفاهيم وتداول مستجدات النظرية الأدبية المعاصرة· ومازال عدد من المؤسسين الرواد يذكرون الأسئلة الأولى حول الأدب المغربي الحديث، وحول صياغة هويته ورسم آفاقه كما كانت تعكس ذلك الأعداد الأولى من مجلة "آفاق" والأنشطة المبكرة للاتحاد·

وهنا أستعيد ـ لا على سبيل التذكر فحسب وإنما كمن يبحث عن جذوره ـ حشدا من أسلاف صامتين· أستعيد الرئيس المؤسس المرحوم محمد عزيز الحبابي، والكاتب الكبير عبد الكريم غلاب، والشاعر الخلاق محمد الصباغ، والشاعر الجليل الراحل أحمد المجاطي المعداوي، والشاعر الشهيد مصطفى المعداوي، والأساتذة محمد برادة، عبد الجبار السحيمي ومحمد ابراهيم بوعلو وأحمد اليبوري ومبارك ربيع وآخرين من الذين صنعوا مجد التأسيس·

ومع أنني أنتمي الى جيل جديد من أجيال الاتحاد المتلاحقة، حرصتُ منذ انتخابي رئيسا لاتحاد كتاب المغرب، قبل ست سنوات، أن أستند الى رصيد الاتحاد التاريخي والرمزي، فآمنتُ منذ البداية بجدلية الاستمرارية والتجديد· لم أتصرف مطلقا كعقب عاق ولا كولد مقطوع الصلة والجذور مندفع بشهية مفتوحة نحو "قتل الأب" وعصيان التاريخ·

آمنتُ بأن لاتحاد كتاب المغرب مناعة تحول دون تسيُّب الأمزجة والإرادات الشخصية، وبأن الفكرة تُسْتَنْبتُ داخل دائرة الحوار المفتوح، وبأن الحقيقة نصنعها جماعيا، والقرار نتخذه معا سويا داخل فضاء وأروقة الاتحاد ولا يأتي جاهزا من الدهاليز والقاعات الخلفية عبر أعضاء مبرمجين أم من خلال أجهزة التحكم عن بعد· ولذلك، يشهد الله أنني لم أدخل اتحاد الكتاب لتحقيق مشروع شخصي وإنما أؤْتُمِنت على أمانة جماعية فَصُنتُها وأدرتُها بروح جماعية· لم أتخذ قرارا واحدا فرديا· فإن أصبنا فالفضل كل الفضل لهذه الروح، أما الأخطاء وجوانب القصور فإنني أعتز بأن أتحمل وحدي مسؤوليتها الأدبية والأخلاقية·

في ست سنوات إذن، تركنا آثار أقدامنا على امتداد خريطة المغرب، تحركنا في الحواضر والقرى، مددنا أيادينا الى كل الإرادات الحرة، عددنا شراكاتنا، نوعنا أنشطتنا، طورنا مجلتنا، راكمنا منشوراتنا، خلقنا فروعا جديدة تباينت مستوياتها ومردوديتها، وسعنا من المساحة التنظيمية ومن قاعدة المنتسبين للاتحاد، أصبحنا أكثر حضورا وإشعاعا، أسسنا مهرجانا للشعر المتوسطي وملتقيات وانشغالات ثقافية جديدة، وأحْسَنَّا الإنصات للكثير من الأفكار والمقترحات والمبادرات·

لم نركن الى رصيد التاريخ وحده· فقد كنا على وعي بقدرات الاتحاد على الآداء والعطاء والتجدد· فاشتغلنا ليل نهار بمسؤولية، بموضوعية وبحرص شديد على التوازنات، سواء بين مختلف الحساسيات والتيارات والمكونات الداخلية للاتحاد أو بين مختلف الأجيال واللغات·

وقد تعلمنا عبر سيرورة العمل الثقافي والأدبي كيف نتحرر ونحرر اتحاد كتاب المغرب من وهم الحرية الذي كان يجعل مؤسستنا دائما في عمق التوترات ومعضلات التواصل، ومن بعض أنواع اليقين التي اكتشفنا أنها خارج سياقها أو لم تعد في موضعها· وإذ أستعيد ما قاله غابرييل غارثيا ماركيز في مذكراته من أنه الى "حدود سن المراهقة [ودعوني أقل الى حدود سن الشباب في حالتنا] يكون اهتمام الذاكرة منصبا على المستقبل"، يكون علينا أن ندرك هنا معنى أن تكون قيادة اتحاد الكتاب شابة وأن تكون ـ في إطار الحرص على التوازنات المطلوبة ـ مدعوة الى أن تحسن الإنصات حتى للذاكرة التي مازال اهتمامها منصبا على الماضي، بما في ذلك ماضي العلاقة المحتدمة بين دولة كان لها استبدادها المعلوم في السنوات العصيبة ومكونات مجتمعية مضادة كانت لها أيضا حصتها من الخطأ والمجازفة والطموح·

لا أريد هنا أن أجازف أو أزايد أو أكون مدعيا تجاه الأجيال الرائدة التي لعبت دورا تاريخيا في حياتنا الثقافية والسياسية، وهو دور مازالت له امتداداته المؤثرة الى اليوم، لكن ثمة مع ذلك بعض الأبعاد السلبية في تجربتنا التاريخية كمغاربة ينبغي علينا كشفها وتخطيها· ولكم كانت هناك جملة من الأمور الباطلة الزائفة··· سليمة وصادقة ظاهريا· ولذا، فإننا إن لم نتوجه نحوها بالنقد ستظل تحجب الرؤية والتمثل الجيد لمعطيات الواقع ولتحولات الدولة والمجتمع·

لا أريد أيضا أن أصدم أحدا أو أصدم نفسي إن زعمت بأنه كان بإمكاننا دائما ـ لو فكرنا ثقافيا وبعمق ـ أن نثبت أن مسار حياتنا الثقافية كان يمكن أن يكون على غير ما كان عليه· ولأننا لا نستطيع اليوم اعادة صوغ تجربتنا التاريخية من جديد، فإن بإمكاننا أن نعيد قراءة هذه التجربة قراءة نقدية·

إن القضايا الثقافية كما طرحت في المغرب ليست مجرد قضايا للتأمل، وإنما ينبغي أن نقرأها كماضي معيش وكتجربة انسانية كانت تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ· ومن هنا، أعترف بإعجابي الشخصي بالشجاعة الأدبية التي يتحلى بها بعض مثقفينا الشرفاء من أمثال الأخ عبد القادر الشاوي شافاه الله الذي قضى خمس عشرة سنة وراء القضبان كمعتقل سياسي وامتلك من الوعي والأخلاق ما جعله يعيد قراءة تجربته وتجربة جيله بدون ادعاء زائف، بدون غطرسة وبدون حقد· ذلك لأن الرهان الأساس هو المغرب، هو مستقبل المغرب، وليست الذات الفردية العزلاء الجريحة وحدها لاغير! وأتحدث هنا عن الشاوي كمثال حي بيننا ومنا حتى لا أتحدث عن مناضل تقدمي آخر امتلك جرأة المراجعة والمكاشفة ووضوح الموقف الى حد انزعج معه بعض الاخوة والأصدقاء من شدة وضوح مشاعره مخافة أن تنكسر وقدة الثورة المتأججة في كأس القهوة المرة· فاتضح مرة أخرى بأننا نخطئ الحوار فيما بيننا حتى حول البديهيات، وأن هناك من مازال بيننا يؤمن بأن الشتائم يمكن أن تكون وجهة نظر!

وفي نفس السياق، وفي موضوع استقلالية اتحاد كتاب المغرب وعلاقة الكاتب والمبدع بالسلطة في المغرب، كم تشابه البقر علينا! وكم لاحقنا في السنوات القليلة الأخيرة من اتهام ضاغن ومن نثر اعلامي لاهث لكننا اقتنعنا وأدركنا أن ليس على الاتحاد إلا أن يكون هو نفسه لكي يكون ما ينبغي أن يكونه، أي ذلك الإطار الوطني الذي يجر وراءه تركة التاريخ ويتفاءل مع التحولات التي تصنع المستقبل·

إننا لاننطلق في تصورنا العام لهذه العلاقة التاريخية المعقدة من نموذج نظري محدد ومنغلق، بقدر حرصنا على مبدأ مركزي عام يتمثل في البعد الايجابي النقدي للثقافة ولأدوار المثقفين في التاريخ، وحرصنا على أن يشكل هذا المبدأ العام والمفتوح الخلفية المرجعية الناظمة لمواقفنا وصور تدبيرنا اليومي لهذه العلاقة·

وقد تعلمنا من تجارب المؤسسات والجمعيات الثقافية في التاريخ أن التخلي عن الروح النقدية يولد ثقافة التسويغ والتبرير، ويوظف المنتوج الثقافي الرمزي لخدمة مصالح ظرفية لاتصمد أمام امتحانات التاريخ· ولعلنا لانبالغ في هذا السياق عندما نعتبر أن التجربة التاريخية لعلاقة اتحاد كتاب المغرب بالسلطة قد رسمت المعالم الكبرى والمُوجِّهات الرئيسية لجملة من الخيارات التي لم نحد عنها، قدر ما عملنا على تطويرها في ضوء خصوصيات المرحلة التاريخية التي واكبت لحظة انخراطنا في تدبير شؤون الاتحاد قبل ست سنوات·

صحيح أن علاقة الاتحاد بالسلطة لم تتخذ صورة واحدة منذ ميلاده والى يومنا هذا، إلا أن جدلية هذه العلاقة في تفاعلاتها التاريخية المركبة صنعت قواسم مشتركة، وركبت مجموعة من المعطيات في تجاوب مع المتغيرات والملابسات التي عرفتها بلادنا طيلة الأربعة عقود الماضية·

نستطيع أن نتبين في صيرورة هذه العلاقة حرص الاتحاد على رسم مسافة معينة بينه وبين أجهزة الدولة التنفيذية، دون أن يعني هذا تفريط الاتحاد في حقوقه المشروعة، أو تخليه عن المبادئ التي منحته امتياز الهيئة الثقافية الوطنية الساهرة على تدبير الفعل الثقافي، الهادف الى تطوير منتوج الابداع الأدبي والفني في بلادنا، وذلك بالصورة التي ترسخ تقاليد العمل الابداعي وتنظر الى الثقافة كأداة فاعلة في عملية التنمية الاجتماعية الشاملة·

وإذا كانت المرحلة التي قضيناها على رأس الاتحاد قد واكبت، كما قلنا، جملة من التحولات الكبرى في بلادنا، حيث تولى الملك المحترم محمد السادس مقاليد الحكم بعد وفاة والده المغفور له الحسن الثاني وواصل مشروع التحول الديمقراطي الذي انطلق في بلادنا سنة 1998 فيما عرف بتجربة التناوب التوافقي، فقد كان على الاتحاد أن يفكر في موضوع هذه التحولات انطلاقا من رصيده التاريخي، وفي علاقة مع المعطيات التي نشأت في قلب التحولات الجارية·

اختار الاتحاد أن يركب في علاقته مع المتغيرات جملة من المواقف المنسجمة مع القيم والمبادئ الكبرى التي صنعت صورته في تاريخ المغرب المعاصر· لقد اختار بوعي دعم مختلف الجوانب الايجابية في تجربة التحول القائمة، نقصد بذلك الانحياز الموضوعي الذي أعلناه ونحن نثمن تجربة التحول الديمقراطي في مجتمعنا· كما اختار المحافظة على الروح النقدية في تعامله مع صور التردد أو التراجع بهدف تعزيز آفاق التحديث السياسي في ثقافتنا ومجتمعنا· وكان الهاجس الأساسي وراء خيارنا المذكور، ينطلق من اقتناعنا الكبير بالدور المنوط بالعمل الثقافي في مشروع التنمية والتقدم في بلادنا·

ولم يكن الامر سهلا ولا متيسرا، فنحن نعتبر أنفسنا في الاتحاد جزاء من المؤسسات المدنية الفاعلة في مشهدنا الثقافي، ودور الثقافة والكتابة والابداع في تجارب التحول الديمقراطي يعتبر من الادوار المساعدة في دعم هذه التجارب· ولهذا السبب اجتهدنا في بناء المواقف السياسية والثقافية المنسجمة مع تجربة الاتحاد ومبادئه الكبرى، مع مراعاة المتغيرات الجديدة التي فتحت مجتمعنا على آفاق غير مسبوقة في العمل السياسي·

ولأننا عشنا تجربة التحول كما عاشتها نخب مجتمعنا، فقد ترتبت عن ذلك في مجال التصور والفعل معطيات جديدة أضافت إلى رصيدنا في الاتحاد معطيات أخرى فاستجبنا لمقترحات اعتبرناها متقدمة وايجابية وأصبح اتحاد كتاب المغرب منخرطا في عدة فضاءات عمومية أو مؤسسات دستورية للحوار والاستشارة· وهكذا أصبح عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، وعضوا في المجلس الأعلى للانعاش والتخطيط، والمجلس الأعلى للتعمير وفي بعض لجن القراءة والمصادقة على الكتاب المدرسي، وبعض لجن القراءة المتابعة للأعمال الدرامية التلفزيونية··· فضلا عن غير ذلك من المؤسسات المجتمعية كبعض لجن ومؤسسات اخلاقيات مهنة الصحافة والاعلام والتواصل، ولجن التضامن مع الشعب الفلسطيني والشعب العراقي والائتلاف الوطني للثقافة والفنون···

مانريد أن نؤكد عليه هو أن مواقفنا العامة اتجهت لدعم كل عناصر التحول الايجابية ببلادنا· وفي هذا السياق عملنا على إشاعة قيم الحداثة والتحديث والحوار والنقد باعتبارها القيم القادرة على بناء نقط ارتكاز جديدة في فكرنا ومجتمعنا· كما عملنا في الآن نفسه على محاصرة ونقد بعض المظاهر السلبية دون أن نرى في ذلك أي تناقض· وفي هذا المجال بالذات حافظنا على الجدلية التاريخية لاستقلالية الاتحاد ولاستقلالية اعضائه·

ولانريد أن يفهم هنا من الاستقلالية الصورة النمطية لعلاقة محددة مع السلطة، فلا وجود للسلطة بالمطلق، ولا وجود لها بالمفرد في التاريخ، وأفعال "المحافظة على المسافة" و"الاستقلالية" و"النفور من كتابة التسويغ" صيغ تستوعب بصور متعددة وذلك بناء على معطيات المدارات الزمنية والمجتمعية في تحولها وصيرورتها·· لهذا السبب حرصنا في مختلف المواقف التي اتخذناها في هذه الفترة على الوفاء للقيم الحداثية الكبرى، ولم نغفل تاريخنا الملموس، فعملنا على بناء مواقف في الاسناد الثقافي المشروط بمعايير التجربة كما تبلورت ومافتئت تبلور في حاضرنا·

إن اتحاد كتاب المغرب مؤسسة ثقافية أدبية مستقلة· وليست الاستقلالية مجرد شعار للاستهلاك· كما أنها لاتعني مطلقا ألا يكون لنا حق التفاوض والحوار وتحقيق المكاسب لأسرة الأدباء والمفكرين والمبدعين المغاربة أو لا يكون لنا الحق في استعمال حصتنا المفترضة من المال العام شأن باقي الجمعيات المدنية الاخرى التي ما أكثر ماسجلنا ونسجل أن بعضها كان يحظى بما لايستحقه ويستعمل دفقا من الدعم والهبات والتبرعات العمومية والخاصة دون أدنى جدية في العمل والاداء والحضور·

ولذلك، أتساءل لماذا يكون علينا أن نتصرف بتهيب كما لو مثل عذراء تخشى على نقاء بكارتها؟ نعم، لابد من تحوط سياسي بالنسبة لمؤسسة وطنية كاتحاد كتاب المغرب، كما أن الحرص على أخلاق المسؤولية ينبغي أن يظل واردا على الدوام· لكن "لاينبغي أن نشتم المستقبل"· وإني لأعتز اعتزازا عميقا بالمناقشات الرصينة التي جرت في مداولات اللجنة التحضيرية لمؤتمرنا، وبحضور عدد من اخواني واساتذتي الذين اعتبرهم مصادر إدراك ومرجعية بالنسبة لمؤسسة اتحاد الكتاب، وهو ما آمل أن ينعكس على مستوى حوار وأداء ومردودية مؤتمرنا الوطني السادس عشر·

إن للحياة الثقافية المغربية ثراء باذخا وعميقا غير هذا النزوع إلى التفقير الثقافي والخطاب المكرور الذي ينحو نحو الاحتدام أو التوتر غير المنتج ثقافيا واجتماعيا بين الدول والمجتمع أو بين المكونات المجتمعية ذاتها التي كثيرا ما تتنازع حول سلطات وهمية، حول رهانات "ميتافريقية" خاوية ومنحطة·

علي أن أكون واضحا في هذا الاطار، فأقول بكل صدق بأننا بددنا الكثير من الوقت والجهد والامكانيات عندما نحول قضايانا الثقافية إلى مشكلات سياسية· ولست في حاجة إلى توضيح اقتناعاتي الشخصية بأهمية العلاقة الجدلية بين الثقافي والسياسي في المغرب، إنما أقصد هنا تحديدا الكيفية التي مورست بها الثقافة سياسيا، حيث كانت هناك دائما أشكال من التصنيف ليست في جوهرها إلا أشكالا من الهيمنة· وهذه تصنيفات مارستها الدولة في مواجهتها للمجتمع مثلما مارستها مكونات المجتمع ضد الدولة ـ وبالأسف ـ ضد بعضها البعض أيضا·

إن ما يوصف به الحقل الثقافي في المغرب من كونه حقلا مأزوما أجده أكثر ملاءمة لتشييد لحظة انتقالية ثقافيا، لحظة تعيد تأسيس الفهم المشترك والعلائق المشتركة بين المجتمع والدولة على المستوى الثقافي·

لقد كان الأخ الدكتور عبد اللطيف كمال صائبا ـ أثناء مناقشات اللجنة التحضيرية للمؤتمر 16 عندما دعا إلى تبئير أشغال المؤتمرحول شعار مركزي يصوغ مقولة (الاتحاد كمؤسسة المستقبل)، وكان واضحا أنه يدرك مدى أهلية الاتحاد لأن يلعب أدوارا ثقافية ورمزية في المستقبل، وهو ما يتطلب نوعا من إعادة التأهيل"، سواء على مستوى الخطاب والتصورات والبرامج·

ولذلك، آمل أن يحظى اتحاد كتاب المغرب بما يستحقه من اهتمام ودعم لوجيستي ومالي· ولو تأملنا حقيقة الاشياء لوجدنا أن اتحاد كتاب المغرب أكبر من حيث عدد الأعضاء من بعض الاحزاب السياسية التي تحظى بالدعم الحكومي، وهو أكثر فروعا وانتشارا من بعض الاحزاب "إياها"! وأكثر نفوذا ونفاذا وتأثيرا وإشعاعا من ثلثي الأحزاب السياسية المغربية المرخص لها بالزعيق الانتخابي!

والحقيقة أننا في اتحاد كتاب المغرب مازلنا لم نفهم مامعنى أن نكون جمعية ذات نفع عمومي منذ سنة 1996 دون أن يعني ذلك اتخاذ قرار حكومي واضح مسؤول بتخصيص ميزانية مالية سنوية حقيقية لتغطية مصاريف أنشطة الاتحاد· ومازلنا نلح بقوة بأن يتوفر اتحاد كتاب المغرب على مقر وطني لائق، حجما ومساحة يكون عن حق بيتا للكتاب المغاربة ومقرا لصون ذاكرتهم وأرشيفهم ووثائقهم·

وليس تزلفا أبدا التأكيد على أن جلالة الملك محمد السادس الذي تجاوب مع استغاثاتنا عندما كان عدد من كبار كتابنا ومبدعينا يجتازون محنا صحية قاسية، (محمد زفزاف ـ محمد شكري ـ محمد القاسمي ـ محمد الكغاط ـ محمد خير الدين ـ العربي باطما ـ الشريف لمراني··· الخ) بإمكانه أن يكون في مستوى توقعات وانتظارات المثقفين والكتاب المغاربة·

ولي أمل ـ وأنا أغادر المسؤولية مقررا عدم ترشيح نفسي مرة أخرى لرئاسة اتحاد كتاب المغرب ـ أن يكون مستقبل مؤسستنا أفضل، وأن تتحرر إرادة الكاتب المغربي التي تطوقها ضآلة الامكانيات وضعف الاستجابات السخية النظيفة التي توفر الدعم بلا شروط ولا ابتزاز ولا استعمالات·

 

 

موقع اتحاد كتاب المغرب

 Copyright © 2001 unecma.net