النشــأة العضوية الرؤسـاء الأعضـاء المنشورات آفــاق أنشطة بلاغــات مؤتمــرات
المنشـورات الإلكترونية مواقف معادية للاتحاد

المنشورات الإلكترونيـة

حسن يوسفـي

حسن يوسفـي، المسرح في المرايا. شعرية الميتامسرح واشتغالها في النص المسرحي الغربي والعربي

خاتمــة

 

 

لقد حرصنا خلال كل مراحل إنجاز هذا العمل المتواضع، أن نعمل على استخلاص مختلف النتائج الجزئية والعامة التي نتوصل إليها بعد تحليل كل مبحث من المباحث المكونة لفصوله وأبوابه، وذلك حرصا على وضوح الرؤية ورغبة في جعل قارئ هذا العمل يتبين معنا طبيعة العلاقة القائمة بين مختلف خيوط القضية التي نتناولها بالدرس.

مما لاشك فيه، أن ظاهرة " الميتامسرح " قضية متشعبة الأبعاد والدلالات، لاسيما وأنها ترتبط بفن تتقاطع فيه مظاهر أدبية وفرجوية في آن واحد. وحرصا منا على الإمساك بتلابيب هذه الاشكالية، اخترنا الزاوية الأكثر قابلية للاختبار والرصد والممثلة في المظهر الأدبي للظاهرة المسرحية. وقد وجدنا في الظاهرة الميتامسرحية نفسها ما يزكي لدينا هذا الاختيار مادامت هي نفسها يرتهن في وجودها بالمظهر اللغوي، وبالتالي بالنص المسرحي وليس بالعرض.

وقد كان طبيعيا أن يفرض هذا الاختيار إطارا نظريا للاقتراب من الظاهرة الميتامسرحية باعتبارها ظاهرة أدبية تتوسل بمكونات النص المسرحي. وبالنظر إلى بعض التصورات التي صاغها كل من النقد الأنجلو- أمريكي من جهة، والنقد الفرنسي من جهة ثانية، تبين لنا أن المقاربة الموضوعية والشمولية للظاهرة تقتضي منا المبالغة - بشكل علمي طبعا - في طموحنا. لذا، لم نتردد في اقتراح صياغة " شعرية تأويلية للميتامسرح "، وذلك اعتقادا منا بأن هذا التوجه النظري هو الكفيل بالإحاطة الشاملة بمختلف أبعاد الظاهرة نصيا وخارج - نصيا أيضا.

في ضوء هذا الأفق النظري، توصلنا إلى بعض الخلاصات الأساسية شكلت، بالنسبة إلينا، قاعدة لصياغة أفق منهجي لرصد التجليات النصية للظاهرة في المسرحين، الغربي والعربي، وهذه الخلاصات هي :

- وجود علاقة راسخة بين شعرية النص الأدبي بشكل عام، وشعرية النص المسرحي.

- اعتبار الميتامسرح تجسيدا لمظهرين شعريين أساسيين هما : الميتانصية والتجويف الأدبي.

- ارتباط الميتامسرح بالتمسرح باعتباره التعبير الدقيق عن خصوصية المسرح سواء في النص أو في العرض.

في ضوء هذه المحددات الكبرى، حاولنا أن نصوغ تصورا تركيبيا حول الميتامسرح ينظر إليه باعتباره بنية ورؤية في آن واحد. وبناء عليه اعتبرنا الميتامسرح :

- من زاوية البنية : باعتباره " شكلا تأمليا " يقوم شكليا على المضاعفة المسرحية والتأمل الذاتي، وموضوعاتيا على ما سمي بالموضوعاتية الذاتية، ونوعيا على الملاءمة بين إمكانات النوع الدرامي، سواء كان جادا أو هازلا، وبين وسائله النصية الخاصة.

- من زاوية الرؤية : باعتباره ترجمة لمنظور المؤلف أو العصر الذي ينتمي إليه إزاء قضايا تهم الإنسان وشرطه الوجودي والاجتماعي والثقافي والسياسي.

ولعل هذه الازدواجية في التوجه المنهجي، هي التي أملت علينا التفكير في ضرورة المزاوجة في مقاربة المتن المدروس بين التحليل والتأويل، انصب التحليل على البنيات الشكلية والموضوعاتية والنوعية للميتامسرح، وحاول التأويل ربط هذه البنيات بعناصر تتعلق بالمؤلف وبعصره، وذلك من خلال الوقوف على مختلف الوظائف الذي اضطلع بها الميتامسرح مع الحرص - طبعا - على عدم الوقوع في إسقاطات جاهزة على النص.

لن نكشف سرا إذا قلنا إن اهتمامنا كان منصبا بالأساس، فيما يتعلق بالمتن المسرحي المدروس، على مسرحنا العربي. إلا أن حرصنا على تقديم صورة واضحة عن تمظهرا ت الميتامسرح في سياقين مختلفين شكل أولهما المنشأ الأصلي للظاهرة، في حين اعتبر الثاني مستوحيا لها ضمن استيحائه لفن المسرح نفسه، جعلنا نعتقد بأن لامندوحة من رصد التجليات الظاهرة في النص الدرامي الغربي أولا، وذلك قصد اكتشاف الإطار الخاص الذي نشأت ضمنه الظاهرة الميتامسرحية في علاقتها بالمسرح الغربي نفسه.

وقد توصلنا، في هذا السياق، إلى أن ظاهرتي " صراع المسارح " و" تناسخ الشعريات، المسرحية " تحكمتا في توجيه الظاهرة الميتامسرحية نحو مظاهر الصراع الفني والنقدي والثقافي والإيديولوجي التي تحكمت في صيرورة المسرح الغربي نفسه منذ اليونان إلى القرن العشرين. ولعل أبرز ما ينبغي التنصيص عليه هنا هو أن تتبعنا لتجليات الميتامسرح في الغرب، كشفت لنا بأن تاريخ المسرح الغربي يوجد داخل النصوص الدرامية أكثر مما يوجد في النظريات والصياغات الخطابية الأخرى.

بنفس الهاجس تقريبا، والمتمثل في إعادة قراءة المسرح العربي من زاوية تاريخ النصوص، حاولنا أن نرصد تجليات الميتامسرح في سياقنا العربي. وإيمانا منا بخصوصية السياق الثقافي وبقدرته على تكييف ما يرد عليه من ظواهر وقضايا أدبية خارجية، مع ما يميزه من خصوصيات. فقد كان لزاما علينا القيام باستكشاف أولي للإطار العام الذي انصبت فيه الظاهرة الميتامسرحية في علاقتها بالنص العربي، مما جعلنا نهتدي إلى صيغتي " الميتامسرح التجريبي" و" الميتامسرح التأصيلي ".

في ضوء هاتين الصيغتين، توصلنا إلى نتائج أساسية منها :

- إن المسرح العربي استلهم الظاهرة الميتامسرحية من الغرب بفعل حاجة تاريخية وثقافية ملحة وليس بفعل رغبة في التقليد فقط.

- لقد تم تكييف الظاهرة الميتامسرحية في النص العربي بشكل جعل منها مظهرا جماليا وثقافيا في آن واحد.

- لقد أفرز النص المسرحي العربي استراتيجيات واضحة في تعامله مع الميتامسرح بشكل جعلنا نكتشف قدرته على استيعاب الشعرية المسرحية الغربية والعمل على تطويرها في بعض الأحيان.

- إن الكتابة المسرحية العربية استفادت كثيرا من الأفق الميتامسرحي في تطوير أساليب التعبير الدارمي وتجريب نقلات فنية كلاسيكية وحداثية في آن واحد.

- لقد تمكن المسرحيون العرب من خلق مبدأ الملاءمة بين نزوعهم التجريبي نحو الميتامسرح وبين قضايا واقعهم السوسيو- ثقافي، مما جعل الميتامسرح يصب في توجهات وأبعاد تتأرجح بين الوطني والقومي والإنساني.

مما لا مراء فيه، أن ما توصلنا إليه من نتائج في هذا العمل المتواضع يبقى نسبيا وقابلا لإعادة النظر والمراجعة النقدية، لكن بموازاة هذا، فإن هنالك قناعات ترسخت لدينا بعد خوض غمار البحث في موضوع " الميتامسرح بين المسرح الغربي والمسرح العربي" نوجزها فيما يلي :

- إن تطوير التفكير المسرحي في سياقنا العربي لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق استيعاب مظاهر الحداثة المسرحية في أبعادها الأدبية والنقدية.

- لا مناص للنقد المسرحي العربي من المزاوجة بين توجهين تأمليين في الظاهرة المسرحية : أحدهما مكروفيزيائي ينظر إلى القضايا الفكرية الكبرى والشمولية المتصلة بوضع المسرح في الثقافة العربية بشكل عام، والثاني ميكروفيزيائي يقوم باستقصاء دقيق لمختلف العناصر والمكونات الجزئية المتصلة بالخطاب المسرحي، وذلك من خلال الوقوف على إشكالات دقيقة انطلاقا من وجهات نظر واضحة.

- إن التحرر من مركب النقص في التعامل مع الريبرتوار المسرحي العربي أمر ضروري لمن أراد أن يكشف كيف يسهم المسرحيون العرب في تمثل التجربة المسرحية العالمية وإغنائها، وفي بلورة تصورات خاصة تساهم أحيانا في تطوير شعرية المسرح بشكل عام.

- إن قراءة المسرح العربي من زاوية " تاريخ النصوص " من شأنه أن يفصح عن صورة جديدة للمسرح العربي، لأنه يسمح برصد التفاعل بين الأنساق الأدبية والأنساق الثقافية من داخل النصوص.

- إن إرساء دعائم النقد المسرحي العربي على قاعدة " المقارنة " من شأنه أن يكشف عن آفاق جديدة في المسرح العربي، قد تبرز كيفية استيعاب هذا المسرح للظواهر المسرحية العالمية وتمثله لمختلف التجارب الكلاسيكية والحداثية في آن واحد.

- إن الخدمة العلمية الأكيدة التي يمكن أن يقدمها البحث المسرحي في الجامعة للمسرح العربي، هي أن يعيد النظر فيما تكرس من يقينيات إلى حد الآن، والعمل على صياغة فرضيات جديدة حول الظاهرة المسرحية العربية، مع الحرص على تهيء الشروط العلمية الكفيلة بالتحقق منها، لأنه بذلك سيساهم في خدمة المشهد المسرحي العربي والثقافة العربية المعاصرة بشكل عام.

 

 

Contactez-nous

  Copyright © 2001 unecma.net