معالي الوزير الأول المحترم،
السيد وزير الثقافة والاتصال، الأخ و الصديق الشاعر
محمد الأشعري،
السادة الوزراء و المنتخبين،
ضيوفنا الأعزاء ممثلي اتحادات و روابط الكتَّاب و
الأدباء الشقيقة و الصديقة،
أخواتي إخواني أعضاء اتحاد كتاب المغرب القادمين من
خارج المغرب وداخله
أيها الحضور الكرام،
اسمحوا لي أن أرحب بكم في مسكننا الرمزي، في اتحاد
كتَّاب المغرب و في مؤتمره الوطني الخامس عشر.
واسمحوا لي أن أُثَمّن عاليا دعمكم و التفافكم
وصداقتكم ومحبتكم لهذا الإطار الثقافي الوطني الذي
يتخطى الآن أربعين سنة من عمره بأربعة أَشهر و
ثمانية أَيام متقدما في الزمن، مُراكما التجربة و
الخبرة و الحضور و الإشعاع، محافظا على كيانه و قوته
الرمزية، ضابطا لتناقضاته، مُنظّما لاختلافاته،
منتصرا على الدوام لقيم الحرية والديمقراطية
والعقلانية والحداثة.
لقد قيل الكثير عن الاتحاد.
و كتب الكثير عن هذا الاتحاد.
ولعل أهم ما ينبغي أن نطرحه
–
هنا والآن –
هو أن نتساءل:هل ما زالت هناك حاجة إلى اتحاد كتاب
المغرب ؟ و هل هناك حاجة أصلا لاتحاد للكتاب ؟ هل
كان امرؤ القيس و المتنبي والفارابي و ابن رشد و
ابن عربي و شكسبير و دانته و فلوبير و هيغل و كانط و
ديكارت …
أعضاء في اتحاد للكتاب؟
ومع ذلك لنتساءل كذلك : لماذا تأسست و ظلت تتأسس في
العالم اتحاداتُ الكتاب ؟ و لماذا ما زال الكتّاب و
الأدباء و المفكرون يؤسسون هذه الاتحادات و ينخرطون
فيها ؟ و لماذا تضيق دولة مّا، في بلد مّا، باتحاد
مّا للكتّاب ؟ و لماذا كانت تُضطهد اتحادات الكتاب
في مختلف الأزمنة السياسية و مختلف الأنظمة و ظل
أعضاؤها يُقتادون إلى السجون أو يرمى بهم إلى
المنافي أو يقتلون أو يُمثّل بهم ؟ بل لماذا كان يتم
التفكير عادةً في شقّ اتحادات الكتاب أو اختراقها
أو ابتلاعها أو تدجينها ؟
لا بد إذن أنّ ضرورة أو حاجة ظلت قائمة باستمرار إلى
اتحادات الكتّاب.
وبالرغم من أن الكتابة الأدبية و الفكرية
هي كيمياء شخصية و فردية، فإن الكتّاب مع ذلك لم
يتوقفوا في أي زمن و في أي بلد عن التخاطب مع
إخوانهم و زملائهـم، و التواصل فيما بينهم، و العمل
على تكامل إراداتهم و مواقفهم لمجابهة ما يهدد
كيانهم و مختبرهم الروحي و ما يمس كرامتهم و
مساحاتهم الحرة.
إن كاتبا يستأثر لنفسه بالقيم و الأشياء الجميلة
التي يصنعها، ليس كاتبا حقيقيا.
إن مفكرا ينتج الأفكار لتظل مجرد أسماك محنّطة في "
الأكواريوم " لا قيمة له
و لأفكاره و لحضوره.
ولذلك، وجدت الاتحادات الأدبية و الثقافية. وُجدت
لتمنح أحجاما تُلْمَس بالأيدي. و لتجعل الأفكار
كائنات حية تتجسد و تتمظهر. و بهذا المعنى، ظل
اتحادنا، اتحاد كُتّاب المغرب -منذ أربعة عقود خلت-
إطارا حرًّا مضيئا يوشج العروق و الأهداف و يرص
الصفوف. يوحّد المواقف. ينتج القيم النبيلة . يبتكر
الأسئلة الجديدة. يختبر الأفكار الجريئة . يدشّن
الخطو المختلف. و يعطي للممارسة الثقافية معنًى و
فاعليةً. و يوفر فضاء حرًّا للحوار الثقافي المنتصر
للحداثة و الوعي بالتاريخ و المنخرط في جبهة الفكر
النقدي والحريص على إثراء المُتخيّل و شغب التفكير و
الكتابة.
هل كانت مجرد مصادفات إذن تلك التي عاشها اتحاد كتاب
المغرب عبر امتداد السنوات و العقود الماضية ؟ بل هل
كانت مصادفات أن يشهد تاريخنا الثقافي المعاصر في
المغرب كل صور الاضطهاد و المصادرة التي ما زلنا
نستحضرها و نتمثلها بتقديـر و فخر و إكبار.
لقد اقتيد إلى
غياهب السجون و المعتقلات المجهولة و المعلومة أدباء
و مثقفون وباحثون كان أغلبهم من أعضاء اتحاد كتاب
المغرب و كان أغلبهم شعراء ( هل هي مجرد مصادفة
كذلك؟): محمد الحبيب الفرقاني، محمد الوديع الأسفي،
عبد اللطيف اللعبي، عبد القادر الشاوي، علال الأزهر،
محمد الأشعري، عبد الله زريقة، صلاح الوديع، علي
الإدريسي القيطوني، ابراهيم الأنصاري، توفيقي بلعيد
و آخرون...
واضطهدت كتب مغربية
خلال السنوات العصيبة : رواية " أغادير " لمحمد خير
الدين، رواية-سيرة " الخبز الحافي" لمحمد شكري،
رواية " كان وأخواتها " لعبد القادر الشاوي، " أغلال
الماضي " لمحمد البريني، كتاب " الحريم السياسي "
لفاطمة المرنيسي. كما اضطهدت العديد من القصائد
والكتابات الأدبية و الفكرية والإعلامية نذكر منها
قصائد وكتابات الشاعر أحمد بلبداوي والشاعر المرحوم
عبد الله راجع وصولا إلى قصيدة مناضلة حقوقية اختارت
أن تجرب صوتها الشعري دفاعا عن عراء الروح و عزلة
الجسد الأنثوي المُراقَب.
و صودرت مجلات فكرية وثقافية وأدبية أبرزها مجلات "
الثقافة الجديدة "، "البديل"، "الجسور"، الزَّمان
المغربي". و اختنقت مجلات أخرى جادة بفعل فاعل معلوم
من أبرزها مجلة " كلمة " و "لاماليف" . و حوكمت صحف
وطنية. ومنع بعض رسامي الكاريكاتور من ممارسة سوادهم
على البياض. واضطهدت الفكاهة و السخرية الفنية
الجادة.
وأكثر من ذلك، صودرت أصوات حُرّة لعلماء أحْرار و
لفقهاء أَجلاَّء. وأقيمت أَسْيجة الحصار على من كان
له رأي في أمور الله و أمور الوطن. و صودرت الجنسية
المغربية من مناضل تقدمي مغربي، فقط لأنه كان مختلفا
و له أفكار وعناد وإرادة عصية.
و كم كان العمل الثقافي مكلفا. فمنذ أن أثارت
الممارسة الثقافية و الأدبية انتباه سلطات الإكراه،
خصوصا منذ منتصف الستينات، أصبحت مفوضيات الشرطة
تطلب من الشعراء تقديم قصائدهم للاطلاع عليها قبل
إلقائها كما حدث في مهرجان للشعر بشفشاون. وكان
مثيرا فعلا أن الشرطة أضحت ترغب في قراءة الشعر
المغربي الحديث، وأن ما كان يتبدى عملا " مجانيا "
أو " عبثيا " أو " خاويا " أو " من قبيل الترف "
أصبح عملة قابلة للصرف على نحو ما عبر عن ذلك أخونا
محمد العربي المساري شهادة طريفة له ذكَّرنا فيها
بحادث الاختطاف الذي كان تعرَّض له الأستاذ عبد
الكريم غلاب والأستاذ محمد برادة الذي اقتيد إلى مقر
دار المَقْري
( CAP ?
)، إذ يقول :
" استغربنا كثيرا من تلك النّزوة. و لأننا نعرف
برادة أكثر من الشرطة، فكرنا أنه لربما سيق إلى هناك
ليدفع الفاتورة خطأ. لكن حساسية الأجهزة كانت
مرهفـة. و قلبنا الدنيا في المساءلة بشأنه. و لكن كل
الأجهزة الرسمية كانت تنكر أنها تعرف عنه شيئا. مثل
ما حدث بالنسبة للأستاذ عبد الكريم غلاب حينما اعتقل
و قادته الشرطة إلى مفوضية الأمن بشارع طرابلس، و
حينما ذهبت ليلا أحمل له بطانية ليستدفئ بها، أنكرت
الشرطة أنها استقبلت شخصا يحمل اسم غلاب. وفهمنا
فيما بعد أَنَّها كانت مساهمة من أصحاب الحال لتنويع
تجارب المبدعين…"
إن لاتحاد كتّاب المغرب، و هو يعقد مؤتمره الخامس
عشر، الحقَّ في أن يتأمل أَربعين سنة من عمره و من
تاريخ الثقافة المغربية الحديثة و المعاصرة. و لاشك
أنها كانت سنوات ثرية من حيث التراكم الفكري و
الأدبي و الرمزي. و من الحضور الثقافي الذي ملأ
الفراغ و المساحات، بل وعوَّض في بدايات الستينات،
والى حدَّ ما، الوظيفة الثقافية للدولة. إذ في الوقت
الذي يتهيأ فيه الاتحاد لينتخب ثاني رئيس له سنة
1968، فكرت الدولة لأول مرة في تاريخها في أن تخصص
لتدبير الشأن الثقافي وزارة خاصة.
إن عُمري لهو عمر اتحاد كتاب المغرب. فعندما كان
المرحوم محمد عزيز الحبابي و الكاتب الكبير الأستاذ
محمد الصبّاغ و المرحوم محمد بن تاويت التطواني
وأستاذنا العزيز عبد الكريم غلاب و ثلة من أَبناء
جيلهم يؤسسون اتحاد كتاب المغرب،وُلدْتُ. و هذا
معناه
–كما
يبدو لي الأمر شخصيا- أَن هذا الرحم كان وَلودًا
خصبًا، و لعل زملائي و إخواني من أبناء جيلي يدركون
أن تجديد الممارسة الثقافية و التفكير في التجاوز و
بناء الابدالات و التصورات المختلفة لا يعني بأي حال
من الأحوال" قتلا للأب " أو قطعاً للجذور، فالتجديد
مازال غير ممكن بدون حرص على مقتضيات الاستمرارية
وتكامل الحلقات. وذلك بالوعي التاريخي المطلوب
والضروري، وبروح التنسيب التواضع والتتلمذ وحسن
الإنصات وممارسة النقد والنقد الذاتي.
لذلك، فإننا نتجه نحو المستقبل ونحن نجدد علائقنا
بمرجعياتنا وأصولنا ومعالمنا التاريخية. ونظل في
اتحاد كتاب المغرب وفي الثقافة والأدب ببلادنا
مطوقين بدَيْن وازن تجاه أساتذتنا الكبار وزملائنا
في الكتابة والتفكير، وبالأخص منهم أعضاء الاتحاد
الذين رحلوا عنا خلال هذه العقود الأربعة المنصرمة:
عبد الله كنون، علال الفاسي، عبد المجيد بنجلون،
محمد عزيز الحبابي، مصطفى المعداوي، عبد القادر
الصحراوي، محمد بنتاويت، التطواني، عبد الكريم
بنثابت، محمد المنوني، محمد المكي الناصري، أحمد
المجاطي، محمد الخمار الكنوني، أحمد الجوماري،
الحسين بنعبد الله، أحمد زياد، محمد زنيبر، عبد
القادر السميحي، محمد زفزاف، محمد الكغاط، قدور
الورطاسي، محمد بندفعة، أبو بكر المريني، زهور
الأزرق، مبارك الدريبي، محمد الإدريسي القيطوني،
محمد باهي حرمة، محمد خير الدين، كمال الزبدي، محمد
إبراهيم الكتاني، عبد اللطيف الفؤادي،عبد الله
العمراني،عزيز إسماعيل،ثريا السقاط، محمد تميد، عبد
الله راجع،محمد عبده بوزوبع، محمد السبايلي، محمد
مسكين، أحمد بركات، محمد منيب البوريمي، الحسين
بولقطيب، عبد الرحمان الفاسي، مصطفى الصباغ، فضلا عن
الأخ محمد ابزيكا الذي يعيش محنة صحية مزمنة شافاه
الله.
ولعل مثل هذا الإرث من الأسماء والأصوات
والأجيال والمرجعيات المتعددة هو الذي ينبغي أن
ينبهنا دائماً إلى أن اتحاد كتاب المغرب ينبغي أن
يظل خيمة يستظل بها الجميع. ويعثر فيها كل كاتب وكل
أديب في المغرب على نفسه. ولا يشعر فيها أحد بالغبن
أو الظلم أو الازدراء.
إن اتحاد كتاب المغرب سيفقد هويته وقيمته وضرورته إن
فقد استقلاليته أو تخلى عن مواثيقه وخياراته
الديمقراطية.
وسيصبح اتحاد الكتاب بلا معنى إن تخلى عن نزاهته و
نقاء مساره أو انطفأت روحه القتالية في واجهات العمل
الثقافي داخل المغرب و خارجه.
لن يبقى اتحاد كتاب المغرب اتحادا حقيقيا للكتاب إن
رضخ أو قَبل أو ساهم في تبخيس الفكر وابتذال الخيال
الإنساني الخلاّق. و من يُراهن على اتحاد الكتاب في
المغرب يكون مجرد إطار فارغ يعج بالموظفين، سيكون
واهما. مثلما سيكون واهما من يعتقد أَن اتحاد كتاب
المغرب سيحافظ على بكارته طالما ظل بئيسا بلا
إمكانيــات و بلا وسائل عمل لائقة وكافية.
لذلك، نجدد مطالبتنا بحقنا في المال العام.
لا يعقل أن يظل كتاب المغرب و أدباؤه بلا بيت، بلا
مقر، بلا ناد، بلا مقصـف، بلا منتجع صيفي، بلا منحة
محترمة، بلا تغطية صحية، بلا ضمان اجتماعي، بلا
قانون إطار يصون للكاتب مَنزلته، بلا ملكية أدبية و
فكرية، بلا اعتبار، و بلا كرامة.
ومن هنا، أشهدكم جميعا على أننا لن ننتظر طويلا و
نحن نعتبر أَن المغرب الذي يعيش لحظة انتقال سياسي و
يؤسس لعهد جديد، لن يصبح مغربا جديدا بالفعل بدون
تصور جديد للمسألة الثقافية ككل وبدون إعادة اعتبار
للكتاب والأدباء. و على الذين يتحدثون عن مشروع
ديمقراطي ألاّ ينسوا أن كل خيار ديمقراطي سيظل
مبتورا و ناقصا و مُشوَّها بدون ديمقراطية ثقافية.
ورغم أننا علّقنا الآمال و راهنا على التحول السياسي
الهادئ، في ظل وتجربة سياسية لم تخل خطواتها
التأسيسية من جرأة و مغامرة وإيمان بالمستقبل، بل و
ساهمنا
–كنخبة
فكرية و ثقافية وطنية ديمقراطية- في قلب التربة و
التمهيد فكريا و نظريا لهذا التحول الإيجابي، رغم
ذلك أُصبنا بخيبات كثيرة في غير قليل من المواقف و
الأشخاص و التصرفات.
ولقد عثرنا في حكومة التناوب برئاسة المناضل الوطني
التقدمي الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي على مخَاطَبين
جيّدين متفهمين، مثلما صعقتنا آذان صماء. التقينا
بعُقلاء لهم من الحكمة و التبصر ما يؤهلهم لإدراك
المخاطر الثقافية المحدقة بالبلاد واستقرارها، حاضرا
و مستقبلا. كما صادفنا في هذه الحكومة، بطبعتيها
الأولى و الثانية، وزراء " يعقلونها ويتوكلون " !
يعقلون الفكرة المضيئة والمبادرة الحرة…
ولا يردون –ولو
مجرد ردّ- على الرسائل التي تصلهم مع أننا كنا
نرسلها ودودة طيّبة حتى قبل زمن " الجمرة الخبيثة "
!
ولذلك، أستسمح
–باسم
كل أعضاء اتحاد كتاب المغرب- أن أشكر كل الذين دعموا
أفكارنا، واحتضنوا مبادراتنا، و ساندونا ماديا
وأدبيا، خلال السنوات الثلاث التي مضت، وأخص بالذكر
:
-
الوزارة الأولى
-
وزارة الثقافة والاتصال
-
وزارة الشؤون العامة
-
وزارة التربية الوطنية
-
وزارة حقوق الإنسان
-
وزارة التشغيل والتضامن والتنمية الاجتماعية
-
وزارة الوظيفة العمومية
-
وزارة الشؤون الخارجية
-
مؤسسة الرعاية لبنك الوفاء
-
إدارة المسرح الوطني محمد الخامس
-
إدارة القناة التلفزية الأولى بالرباط
-
الإذاعة المركزية بالرباط و إذاعة طنجة و كل الصحف
النظيفة و الشريفة التي دعمتنا و ساندت أفق نضالنا
الثقافي.
-
جريدة " الاتحاد الاشتراكي ".
-
مؤسسة سابريس.
-
مطبعة النجاح.
-
غرفة التجارة و الصناعة بالدار البيضاء.
-
جمعية الصناعة الفندقية بأرفود.
-
الجماعات الحضرية للمعاريف بالدار البيضاء، حسان
بالرباط.
-
مجلس عمالة الرباط.
|