النشــأة العضوية الرؤسـاء الأعضـاء المنشورات آفــاق أنشطة بلاغــات مؤتمــرات
 جائزة الأدباء الشباب مواقف معادية للاتحاد

  المؤمر السادس عشر

  المؤتمر الخامس عشر


 المؤتمر الرابع عشر


  المؤتمر الثالث عشر


 المؤتمر الثاني عشر


   المؤتمر الحادي عشر


   المؤتمر العاشر


   المؤتمر التاسع


 المؤتمـر الثامـن

 كلمـة الرئيـس

كلمـة الأخ أبو مـروان

كلمـة الأمين العام للاتحاد العام للأدباء العرب

 البيـان العام

تقرير لجنة المطالـب

التقرير الثقافي

لائحة المكتب المركـزي


 المؤتمـر السابـع


  المؤتمـر السادس


 المؤتمـر الخامـس


 المؤتمر الرابـع


 المؤتمر الثالث


  المؤتمر الثاني


  المؤتمـر التأسيسي


المؤتمـر الثامـن

الرباط، 12، 13 نونبر 1983

 

كلمة رئيس اتحاد كتاب المغرب عند افتتاح المؤتمر:

 

أيها الأصدقاء

منذ أبريل 1981، تاريخ انعقاد المؤتمر السابع لاتحاد كتاب المغرب، إلى يوم عشنا في المغرب والعالم العربي أحداثا هامة وخطيرة متسارعة الإيقاع، مترادفة الدلالات باتجاه الكشف عن أعماق الأزمة المجتمعية و السياسية والثقافية.

عشنا أحداث 20 يونيو 1981، وعشنا انتخابات 10 يونيو 1983، وما نزال نعيش في ظل المناخ الاقتصادي المتردي الذي يكشف عن أزمة تشمل كل المجالات، وهي أزمة لا يقترح الماسكون بأجهزة الدولة حلا لها سوى الأفق المسدود.

وعشنا، قوميا، الحرب التي شنتها إسرائيل الصهيونية على الفلسطينيين وعلى القوى الوطنية والتقدمية بلبنان، وما انتهت إليه من احتلال لجزء آخر من الوطن العربي، ثم تدبير مذبحة صبرا وشاتيلا وامتداد التآمر على الثورة الفلسطينية ومحاصرة قواتها وقائدها إلى الآن بطرابلس لتصفية منظمة التحرير والعودة إلى المتاجرة بالقضية الفلسطينية.

هذه الأحداث وما تنطوي عليه من عواقب ندرك خطورتها جميعا، تطرح على الكاتب أسئلة مأساوية وكلية، لأنها تمس الكيان والوجود والانتماء إلى الوطن والثقافة والقيم الخلاقة. إنها أسئلة طرحت بحدة منذ هزيمة بيروت 1982، أبعادها الحقيقية المتصلة بالانهيار الشامل سواء عل المستوى القومي أو على المستوى الداخلي لكل بلد عربي، وبين المستويين ترابط جدلي يؤكد أن دروس كرامة المواطن، وتزييف إرادته، وتدجينه، كامن وراء ترسيخ التبعية والاستسلام لمنطق إسرائيل ولمصالح الإمبريالية، كما أنه كامن وراء استقواء الطائفة واحتراب الأشقاء.

كيف، إذن لا يجد الكاتب المغربي نفسه محاصرا بأسئلة تخص الكتابة في ظل الأزمة ؟

الأزمة، لا باعتبارها تعثرا ظرفيا أو خلالا ناجما عن التقدير والتنفيذ و انما الأزمة في مكوناتها العميقة المتصلة بالمجتمع وبنياته، وبالإنسان وحقوقه، والانتماء القومي وآفاقه.

الأزمة، كما أحسها، أخطبوط يمد أذرعته من كل الجهات ليطبق على المجتمع والإنسان، ليطمره تحت عتمة الخوف والاستكانة وتقبل الأمر الواقع … الأزمة التي تريد أن تستبدل روح التحدي والمبادرة و الممانعة، بروح الخضوع والامتثال لما يفرض من فوق، وتطويع المجتمع على الاندماج في الطقوس التشيؤ والوصاية…

إنها الأزمة التي عشنا جميع أحد مظاهرها في الممارسات التي صاحبت جميعها الانتخابات الجماعية يوم 10 يونيو، وانتهت بتدخل السلطات لتغير النتائج وتعديلها ومن ثم طمس إرادة المواطن المغربي الرافض لوصاية الأغلبية المزورة، والطامح إلى التغيير الديمقراطي... وجدنا أنفسنا، بعد الانتخابات ومشاهد تحوير النتائج، نستشعر جانبا عميقا من أزمة مجتمعنا الذي لا يحترم له إرادة وحيث يعاقب المواطنون الذين عبروا عن رغبتهم في التغيير بإلغاء أصواتهم وتثبيت من استفادوا من الأزمة وزادوا من تفاقمها.

هكذا اتخذت الأزمة، في مظهرها السياسي، لعبة تعويد الناس على الدخول في السراديب والدوران في عتمتها معصوبي الأعين… وأثناء ذلك لا يجوز لأحد أن يستنكر تفاقم التفقير ولا انسداد أبواب الرزق، ولا تدهور القيم وتبدد الآمال. وفي غضون هذه الأزمة يقع الالتفاف على المكتسبات، وفي طليعتها: حرية التعبير، والديمقراطية الثقافية التي أتاحت للطلقات الإبداع والتفكير أن تبلور مفهوما ايجابيا للثقافة يتعدى التقبل والتلقي إلى التعبير والإنتاج تأكيدا للهوية وبحثا عن الأفضل.

إن الكاتب لا يستطيع أن يغمض عينيه على ما يصرخ من حوله معلنا عن الأزمة وتغلغلها في السلوكات والمواقف والعلائق. وقد يكون هو من يحسها بطريقة متفردة عندما يتخلى بنفسه في هدأة القلق الصاخب بالأعماق، وفي لحظات الاسترجاع والربط والاستنباط... سيكون الكاتب هو من يتلقى الأزمة مجسدة في النماذج والكلمات وتعبيرات الجسد، ستطالعه من الوجوه المفرغة من حماسها، وفي الإبداعات المجهضة والمؤجلة، وفي اللغة – القانع التي تنتحلها ألسنة تريد أن تتعود على كلمات المداراة والتحايل. يكفي أن يتذكر الكاتب أن عشرين من عمر الوطن لم تنتج سوى الحصر وأوجاع الاضطهاد، وحبس العزائم الوثابة، وتغييب الأصوات الصادقة… يكفي أن يتذكر بؤس العلاقات، وانكسار النفوس ليدرك أن هذه الأزمة، بالرغم من وعينا لمصادرها ونشأتها، قد تسللت لتستقر كالحة ومدمرة، وكأنها قدر لا أحد يقوى أحد على تغييره.

لكن هذه الأزمة التي يسعى المسؤولون الآن إلى تبريرها وإرجاعها لعوامل سياقات خارجية، هي التي كانت موضوع رفض من جانب الكتاب والمنتجين الثقافيين المناهضين للثقافة السائدة المساندة لاختيارات التفقير والتبذير واحتقار المواطن. فمنذ الستينات، كانت الكتابات الجديدة ترصد التحولات، وتستبق الأحداث، وتتنبأ بهذا المستقبل الذي مهد له حاضر كان يقوم ضد إرادة الجماهير وطموحاتها.

وبترابط مع القوى الوطنية والتقدمية، استطاع الأدب والثقافة المغربيان أن ينبذا أقمصة المحافظة والاجترار والذاكرة المنحطة، ليرتادا أجواء المناهضة والتساؤل الجسور، بحتا على تحرر الإنسان المغربي وتعتق طاقاته الكامنة. وهذا لا يعني أن أدبنا ظل نسخة مكررة من الخطاب السياسي، بل إن جدلية الصراع والتبدلات المتلاحقة التي عشناها منذ الاستقلال، قد جعلت كتاباتنا تنتقل من مر حلة «تصريح ايمان» إلى ارتياد الأغوار، وتسجيل المستجد وبارز التناقضات والتعدد، والتعبير عن حاجة مجتمعنا إلى التغيير والتجديد ذلك لان التغيير الحقيقي هو الذي يقوم على تقليب التربة، ومعرفة المكونات، والإصغاء لمنطق التاريخ. إن منطلق ثقافتنا الجديدة هو منطلق الوجود المتحول لا منطلق الحفاظ على جوهر متوهم.

وهذا ما وطد وثاقة صلة ثقافتنا بفهم الذات والآخر والمجتمع من منظور التاريخ والوعي النقدي الرافض للنماذج الجاهزة والمتخلي عن التعامل التقديسي الذي يحجب الرؤية الواضحة. ومثل هذا المنطلق العام هو ما وضع ثقافتنا على سكة الاستلاب الذي يعيشه مجتمعنا في جوانب متعددة … وهو أيضا ما أتاح لها، في عمرها القصير نسبيا، أن تتخذ منه تمظهرات الأزمة الموروثة والطارئة، منطلقا لنقد الاختيارات المعاكسة للتغيير والتجديد اللازمين لاستمرارنا في الحياة.

ومن هذه الزاوية فان ثقافتنا الحديثة، في إنتاجاتها الأدبية والفنية،وفي مختلف الأبحاث والدراسات، وبالرغم من الحصار الذي يطوقها به سدنة الثقافة السائدة، تظل هي الحجر الأساسي في مشروع التجاوز ومجابهة الأزمة، لأنها ثقافة منغرسة في الحاضر ومتوجهة إلى أسئلة المستقبل، شأنها في ذلك شأن المشروع المجتمعي الذي تنادي به وتناضل من أجله القوى السياسية التقدمية في المغرب. ومن ثم جاز القول، نحن نعاين انفصام الدولة عن طموحات المجتمع المدني، بأن أزمتنا، كما عبر عن ذلك أحد المفكرين، «تتمثل تحديدا في الكون القديم يموت والجديد لم يخرج بعد إلى الحياة بعد إلى الحياة» (غرامشي).

هكذا نجد أنفسنا، ككتاب، أمام أسئلة يتداخل فيها الآنى بالموروث، والمظهري بالجوهري، والقومي بالإنساني، ويظل الرهان هو تحرير الإنسان المغربي من كل ما يتهدد وجوده وكيانه وحقه المشروع في التغيير والإبداع والديمقراطية.

وإذا كان كل كاتب يعيش الأزمة من خلال تجربته الخاصة، ومن موقعه وقناعاته ومغامرته الإبداعية، فان ملامح مشتركة تجمع بيننا سواء في تحمل عواقب الأزمة، أو في المسؤوليات التي تطرحها المواجهة والبحث عن ممارسة أكثر فاعلية وحضورا.

فالكتاب المغاربة الذين يحترمون أقلامهم هم في طليعة من يتعرضون لانعكاسات الأزمة ماديا ومعنويا. والشروط التي ينتجون فيها أشهر من أن نعرف بها: فهم لا يتحملون فقط أعباء الكتابة بل غالبا ما يضيفون إليها أعباء دفعات نفقات النشر والتوزيع. وإذا كانوا يجدون تجاوبا لدى الجمهور المتتبع المساند لخطواتهم، فان تدهور القوة الشرائية عند الشباب ورجال التعليم والطلبة سيزيد من صعوبة هذه الشروط. كل ذلك في غياب سياسة ثقافية للدولة، تشجع الكتاب المغربي وتعاضد منتجيه بصفتهم مواطنين يشرفون البلاد بعطائهم وسهاماتهم … نضيف إلى ذلك بعض الممارسات السلطوية التي تعرضت لها جمعيات ثقافية وأدبية في الفترة الأخيرة، لتكتمل لنا، إجمالا، صعوبة الشروط التي تكتنف الكتاب المغاربة وتجعل إنتاجهم يعاني من التوقف وبطء التراكم.

غير أن أكثر مظاهر الأزمة سلبية هم ما يتولد عند البعض من شعور بأن الكلمات فقدت ثقلها وجدواها … وان الخرائب التي يفضي غليها سراديب الأزمة لا تستطيع إضاءتها الكلمات. والأمر لا يتعلق هنا بتذكر أسئلة مألوفة عن جدوى الكتابة،وإنما بالتعبير عن حالة نعيشها من الداخل في سياقنا الخاص،ونشعر معها بمدى انهيار القيم وزيفها …. انه البعد الآخر للازمة، البعد الملتصق بحميمية تجربة الكتابة التي تكتشف التناقضات والمفارقات وتستبطن عذاب الإنسان وتمزقه. ثم إن العلاقة بين الكاتب والقارئ عندنا ليست علاقة «عادية» في مجتمع «عادي» … ليست علاقة فقط علاقة عرض وطلب، لأن سياق التحولات والصراعات الاجتماعية تجعل الكاتب الحق مطالبا بأن يجابه أسئلة الواقع ومنطق التاريخ، وتحمله على أن يربط إنتاجه بالممارسة التي تبقى هي وحدها الكاشفة لحقيقة المواقف و الأفكار والانتماءات.

في مثلا هذا السياق التي تتشابك فيه الأسئلة وتأخذ أبعادا عميقة، لا يمكن للكتابة أن تجد طريقها بسهولة…. إلا أن التجربة مع ذلك تنطوي على عناصر تستطيع أن تغني الإنتاج واعتناق الأمل. ذلك أن الثقافة السائدة، مهما اتسعت سلطتها وهيمنتها، فإنها لا تستطيع أن تنضب كل النسيج الاجتماعي ولا أن تملأ حيزه المتسع من خلال التحولات والصراعات... وهذا ما يعطي للكتابة التي تجسر على الإبداع والنقد، فرصة لاختراق الأزمة والإسهام في رسم أفق للتغيير.. وبذلك ينتفي التساؤل عن جدوى الكينونة والشعر والأمل والتعلق بالحياة.

أيها الأصدقاء

إن هذا الاستحضار الموجز لبعض ملامح التجربة الأدبية والثقافية في مغرب اليوم، يقودنا إلى الحديث عن دور اتحاد كتاب المغرب في ظل هذه الأزمة العامة، وبعد مرور اثنين وعشرين سنة على تأسيسه.

فاسمحوا لي أن أوجز رأييى في هذه النقطة على ضوء ما تجمع لدي من ملاحظات خلال مشاركتي في تسيير الاتحاد إلى جانب زملاء آخرين.

إن ما أضفى على اتحاد كتاب المغرب قيمته الخاصة في حقلنا الثقافي، هو ارتباطه، منذ البدء بمختلف العناصر المنتجة في مجال الأدب والفكر، وتحوله من خلال الصراع الديمقراطي إلى ملتقى للحوار، وإلى بؤرة تستقطب الكتاب و المثقفين، وتسهم في طرح و بلورة القضايا التي أفرزتها مختلف فترات مسيرتنا الثقافية. ولذلك فان تاريخ اتحاد كتاب المغرب يحمل بصمات التعرجات والتعثرات التي رافقت جدلية النضال الثقافي من أجل إبراز وتدعيم قيم الحرية والإبداع والالتزام الواعي إلى جانب قضايا التحرر والديمقراطية داخليا وخارجيا. من هذا الجانب فان الاتحاد لم يأخذ طابع الجمعية المنغلقة التي ينشئها أعضاء « مكتملون » في صفتهم وقناعاتهم ….

بل ظل مشروعا منفتحا على الساحة الثقافية تتضح معالمه عبر الحوار والاختصام والجدل.. عبر أسئلة الراهن الساخن، وعبر أسئلة التجارب الداخلية للكتاب. من ثم تحول اتحاد كتبا المغرب، تدريجا إلى مرصد يتيح مراقبة ما تحبل به الأقلام والضمائر، وما تجهر به اللقاءات من أسئلة وهموم. وعلى امتداد الطريق الطويل حاولنا أن نجعل من الاتحاد منبرا مفتوحا أمام الأصوات الساعية إلى دعم ثقافتنا الوطنية. وقد استطاع اتحاد كتاب المغرب أن يستمر بفضل ما لقيه من مساندة مادية ومعنوية من الجمعيات والمنظمات والعاطفين، فكانت تلك المساندة ضمانة لاستمراره مستقلا في قراراته ومواقفه ونشاطاته. وكان العمل تطوعي لمختلف الأعضاء في المكاتب المركزية و في الفروع، هو المداد الذي سطر به تاريخه وصموده في الساحة المغربية والعربية. إن ما سمح للاتحاد بالبقاء والنمو هو وعي الأعضاء بضرورة جعل الاتحاد مجالا حيويا للممارسة ولتعلم الحوار الديمقراطي، وربط الصلة مع القراء والمتلقين. ومن ثم تتخذ أنشطة الاتحاد سمتها المميزة، فهي موصولة بالهموم العامة وناقلة لاهتمامات الكتاب والمثقفين في إطار يتوخى تحقيق التفاعل والإشعاع، وتدعيم الثقافة المساندة للآمال الجماهير في التغيير والتجديد.

وبدون شك فان الأزمة التي أشرنا إلى بعض مظاهرها قد ألقت بظلالها على الاتحاد في الفترة الأخيرة، لأن كل تحول لا بد أن يستدعي الحاجة إلى النظر في العمل والعلائق وطرائق العمل وهياكل التنظيم. وهذا الاجتياح هو ما كسبته المؤتمرات الأخيرة للاتحاد بشكل أو بآخر. وأود أن أتوقف قليلا عند جانب من جوانب المناقشات التي بدأت في مؤتمراتنا وعرفت امتدادات في الصحف واللقاءات في الصحف واللقاءات، وأعني العلاقة بين الثقافي والسياسي. فأنا أخشى أن يكون طرح هذه المسألة طرحا مغلوطا يثير من الالتباسات أكثر مما يقدم من عناصر للتوضيح. فاللذين طرحوا هذه المسألة كانون يقصدون التأكيد على ضرورة احتفاظ الثقافة باستقلالها في إطار اتحاد كتاب المغرب. إلا أنهم بدل أن يستعملوا صيغة «التحزب والثقافة» استعملوا «صيغة السياسي والثقافي» مما أدى إلى الخلط وتعتيم الحوار. فالذي أعرفه هو أن مصطلح السياسي Le politique يستعمل في الخطاب الحديث لتمييز السياسة باعتبارها برنامجا تطبيقيا عن التصور الأساسي للخطاب ولمكونات الواقع وممارسات تحويله. فإذا العنصر السياسي الذي هو عنصر الرصد لتفاعلات التاريخ والفكر والواقع، تحولت السياسة إلى اجترار وخطاب مكرور. كذلك الشأن بالنسبة للثقافة والثقافي … فالثقافة إنتاج تتراكم فيه أنماط من التمثيل للواقع وأنماط لإقامة علائق معه، بينما الثقافي Le Culturel هو الذي يحدد اتجاهات التحول داخل الحقل الثقافي الواسع، ويرصد النسق الراجح في خطاب ثقافي معين، وفي ممارسة ثقافية معينة. وكما في السياسة، قد تدخل الثقافة دائرة الاجترار والتكرار الثقافي المحرك للجدلية، والمساهم في صياغة الإشكاليات أو إعادة طرحها و تحيينها.

لأجل ذلك فان السياسي و الثقافي، بالمعنى الذي أشرنا إليه، متكاملان ومتفاعلان لاتهما يلتقيان معا عند بوابة الفعل المغير.

يبقى علينا، إذن، أن نطرح مسألة التحزب وانعكاساتها على اتحاد كتاب المغرب. إنني أعتقد أن الممارسة الثقافية التي تستهدف تقديم «خدمة» لحزب ما، هي ممارسة لا تدرك أبعاد العمل الثقافي ولا طبيعته. فالثقافة في وجودها وتطورها وتأثيرها لا ترتبط بمجموعة من المواطنين، ولا يمكن لحزب ما أن تكون له ثقافة خاصة به وإنما هناك اتجاه ثقافي عام يشكل محورا من محاور الصراع يمكن للحزب أن يدافع عنه من منظور الإيديولوجي، وأن يسهم في بلورته وتدعيمه.. وكل تحزب ضيق في هذا المجال يشوه الحقيقة ويعوق تطور الثقافة. وأظن أن جملة التحولات التي عرفها الثقافي عندنا قد جعلت الجميع يدرك هذه البديهيات ويراعيها في التعامل مع بقية الاتجاهات الثقافية. لكن ذلك لا يعنى مطلقا أن نصادر حق الأعضاء في الانتماء إلى الأحزاب أو إلى اختيارات سياسية معينة. وعلى ذلك يفرض الحوار الديمقراطي علينا أن نتعامل مع الأعضاء داخل اتحاد كتاب المغرب بصفتهم كتابا أولا لا بصفتهم حزبيين، لأنهم يتواجدون فيه لاعتقادهم بأنه واجهة للعمل الثقافي الذي يسهم في بلورة التصورات المكونة لجزء من اختياراتهم السياسية. و أظن أن هذا هو تصور كل الأعضاء. لذلك أرجو أن تحظى هذه المسالة بالنقاش ليتم تجاوزها ولا تظل عنصر تشويش يغرق القضايا الأساسية في خصومات مصطنعة وحساسيات جانبية.

إننا نستشعر جميعا الطريق الطويل المحفوف بالمصاعب ونستشعر أن الأدب المغربي بحاجة أكثر إلى تضافر الجهود وتعميق النقد والحوار حتى يتمكن من التغلغل في وجدانات القراء ليرسم صورا وعلامات قوية تسعفهم على الارتباط بالحياة وبالتاريخ، ويفتح أمامهم أبواب المراهنة على ما يدخره الواقع من إمكانات توطد الأمل وحب العيش. ومن هذه الزاوية سيكون من المفيد أن ندفع النقاش في اتجاه مراجعة اتجاهات الكتابة و الإبداع من منظور تجذير الأدب وجعله عنصر إخصاب وتطوير للوعى… وهذا لا يعنى تسطير الموضوعات أو التوجيهات للكتاب، وإنما يعني تعميق الوعي النظري على ضوء ما أنجز من أعمال أدبية و ثقافية، وعلى ضوء ما يفرزه الواقع من أسئلة وتطلعات. فالكتابة مغامرة واستكشاف دائمان، وهي الأقدر على ان تلملم أطرافا من هذا الواقع المتردي المتفجر الذي تتواطؤ خطابات التزييف على حجبه.

أيها الأصدقاء،

إن في الصفحات الماضية من تاريخ اتحدا كتاب المغرب مواقف ناضجة دعمت المسيرة الثقافية لأنها اهتمت بالجوهري وتجاوزت العرضي. ونحن نستطيع من خلال ذاكرتنا الجماعية، ومن خلال استحضار الجوانب الايجابية أن نعطى دلالة لتجربة الاتحاد الماضية، إنها دلالة صراع من أجل حماية الديمقراطية الثقافية، وحماية حرية التفكير والإبداع والحفاظ على الاتحاد منبرا لكل الأصوات والأقلام الحريصة على ميلاد الجديد والتعجيل بإنهاء موت القديم.

محمد برادة

الرباط، 7/11/1983

 

 

 
موقع اتحاد كتاب المغرب

 Copyright © 2001 unecma.net