النشــأة العضوية الرؤسـاء الأعضـاء المنشورات آفــاق أنشطة بلاغــات مؤتمــرات
المنشـورات الإلكترونية مواقف معادية للاتحاد
لطيفة باقـا: ما الذي نفعلـه؟

حكاية سخيفـة

 

وضعت الحقيبة قربها وظلت تنظر إلى الفراغ... مد هو رجليه بكسل أمامه. أيقظها سؤال "الجارسون"، طلبت عصير برتقال ثم أدارت رأسها إلى النافذة. سمعته يدس يده في جيبه باحثا عن علبة الثقاب... " سيشعل واحدة من سجائره الرديئة ".فكرت أن ذلك مقيت وإذا أضيف إلى هذا القرف والفراغ...

- أرجوك لا تنفث جهتي... إنك تجعلني أختنق.

نفث قليلا من الدخان بعيدا عنها ثم نسي فعاد ينفث جهتها...

لم تستطع أن تتصور كيف تشتاق إليه طول هذه المدة وها هي جالسة أمامه تحدث نفسها عن الحب بعبثية حادة وتحملق في الفراغ … كل شيء انكسر حولها حتى بدت محاولة حتى بدت محاولة خلق قمر جديد، يغير وجه السماء مستحيلة...

- هل اشتقت إلي؟

- لا … لم أشتق لشيء.

نظرت إلى الخارج قبل أن تسمع رد فعله / جوابه كان هناك فتى مجون، يكرض ويدع ثيابه الممزقة تطير خلفه كأجنحة... وقفت تراقبه بعينيها حتى توارى... - ألم تحلم بامتلاك جناحين؟ سألته بحدة مفاجئة …

- ………………

لم يدهشها صمته، لم تكن تنتظر منه غير ذلك.

" الجرسون الوسيم أحضر أخيرا كأس العصير وفنجان القهوة... وضع هو سكارتين ونصف في الفنجان وأخذ يحرك... لاحظت أنه لم يعد يكتفي بواحدة ونصف... لم تقرب كأس العصير، كانت تعلم أنه سانسوس وأشعرها هذا بالغثيان... المقهى شبه فارغ وفي الخارج كان الشارع يعلن العيشة واحتفال السيقان المكتنزة والأرداف... وضعت يدها على خدها وحاولت أن تفكر في مشروع القمر الجديد الذي سيعوض ذلك المهترئ القديم... صعدت إلى ذاكرتي بعض الكلمات الجميلة التي كان يرددها الأطفال ذلك الصباح الربيعي عندما أخذتهم في رحلة مدرسية إلى الغابة القريبة... بعض الأغاني كانت رائعة وكانت الأصوات الرخيمة تحيى الغابة بعفوية بالغة... الأفواه المشرعة عن أسنان ناقصة (أكلها الفأر!)..

دخلت أم ومعها طفلين أشقرين، طلبت سانسوس لهما وقهوة لها. الطفل الأكبر يشبه طفلا آخر كان عندها هذه السنة في الفصل... تشكلت أمامها صورة ذلك الطفل الذي لم يكن يتوقف عن طرح الأسئلة. سألها مرة عما كانت تريد أن تكون عندما كانت صغيرة.. تذكر أنها أجابته "فنانة" هنا قال لها أنه يريد أن يصبح رئيسا أو ميكانيكيا ووعدها أن يصلح لها سيارتها الصغيرة البيضاء بدون مقابل... وفي حصة الرسم كان يرسم دائما سيارة ضخمة لا تقف في الضوء الأحمر وكانت تسأله لماذا؟ … كان يجيب مندهشا من دهشتها: " إنها سيارة الرئيس! " … كانت الأم تسحب سجارة من علبة السجائر عندما رفض الطفلان سانسوس.

مدت يدها للكأس أمامها... سانسوس لم يستطع أن يكون أقل مرارة من المعتاد، يصنعونه من البرتقال الفاسد... نفس البرتقال الذي يلوح به الأطفال الراسبون في الشهادة الابتدائية إلى سبورة النتائج... برتقال فاسد لأجل مستقبل فاسد... سانسوس عصير طبيعي 100 %.

المقهى أخذ يضج نوعا ما بالرواد... فتاة جميلة في الركن تقرأ جريدة وتتجاهل نظرات كل الرجال...

ظلت هي صامتة تراقب الأم التي تريد أن تجعل أطفالها يشربون عصير البرتقال الفاسد... شعرت بحنين إلى الفصل لكنها الآن فصلت... كانت مؤقتة...

- ما هو المؤقت والدائم في هذا البلد... أريد أن أقول ما هو الثابت والمتحول؟

- كتاب لأدونيس.

ضحكت لأول مرة ومدت يدها لسانسوس وقربته إلى فمها وفي هذه اللحظة بالضبط تذكرت أنه فاسد فأعادت الكأس إلى الطاولة... تذكرت أيضا أمرا "فاسدا" أخر... نظرت إليه وفكرت... كان يردد دائما: " يجب أن تضحي... لماذا تقولين "لا" أنا أكره هذه الكلمة... " كانت هي تغني أغنية فرنسية تقول أن " كل شيء لا زال على ما يرام لكني حزينة وأريد أن أبتعد "... بعد ذلك حدثت أشياء كثيرة ورديئة حد السخافة... ربما كتبت ما حدث يوما ما، ربما دونت هذه المرارة كلمات.. ربما...

- بماذا تفكرين؟

- أفكر في قصة قصيرة ربما أكتبها هذا المساء.

- قصة قصيرة؟ أنكون بطلانها؟

- ستكون بدون أبطال … مجرد أشباح في مقهى فارغ …

"قدح من القهوة، ومقهى فارغ..."

- قصة حزينة؟...

- لا... قصة سخيفة.

-كيف ستبدأ؟

-أعطني ورقة... قد أبدؤها الآن …

أخذت الورقة منه وسحبت قلما من حقيبتها ثم كتبت: " وضعت الحقيبة قربها وظلت تنظر إلى الفراغ... مد هو رجليه بكسل أمامه...، الخ.

 

موقع اتحاد كتاب المغرب

  Copyright © 2001 unecma. net