النشــأة العضوية الرؤسـاء الأعضـاء المنشورات آفــاق أنشطة بلاغــات مؤتمــرات
المنشـورات الإلكترونية مواقف معادية للاتحاد

المنشورات الإلكترونيـة

حسن يوسفـي

حسن يوسفـي، المسرح في المرايا. شعرية الميتامسرح واشتغالها في النص المسرحي الغربي والعربي

البـاب الثانـي:

الميتامسرح في المسرح الغربـي

 

يكاد يتحول تاريخ الكتابة المسرحية الغربية إلى سلسلة من الممارسات الميتامسرحية، بدءا من " ضفادع " أرسطوفان وصولا إلى آخر التجارب الطليعية في مسرح القرن العشرين. ولعل ما يؤكد ذلك أن الكاتب المسرحي الغربي غالبا ما يبلور تجربة إبداعية تستوحي نموذجا نقديا أو نظريا، أو تضمر هواجس من هذا النوع تشكل بالنسبة للإبداع المسرحي ذلك " الوعي " الذي يسنده ويوجهه نحو اختيارات جمالية معينة، ويفتح له آفاق التأمل الذاتي والكشف عن مظاهر التحول والتطور.

والملاحظ أن السمة المميزة لهذا الوعي هي كونه وعيا جماليا مفتوحا على أبعاد سياسية وثقافية واجتماعية. ولعل هذه الخاصية هي التي جعلت الميتامسرح في الدراما الغربية يتحول، في آن واحد، إلى حقل لصراع الأفكار المسرحية ومجال لتنازع التصورات الجمالية حول المسرح في علاقته بالمبدع والمجتمع والتاريخ.

لقد ساعدت طبيعة المسرح نفسها على تحقيق هذه الدينامية الميتامسرحية. فمقولة الصراع التي تشكل عنصرا دراميا أساسيا في الكتابة المسرحية شكلت إطارا ملائما لعرض الأفكار المتناقضة وبلورة المنظورات المختلفة. بعبارة أخرى، إن الميتامسرح لم يجد صعوبة في التكيف مع الظاهرة المسرحية، بل والانصهار فيها، وذلك لأن طبيعته القائمة على الصراع - الخفي والظاهر - تنسجم مع طبيعتها.

ولعل ما زكى هذا التلاؤم هو صيغة الحوار التي يعتمدها النص المسرحي، والتي تسمح بتعدد الأصوات، وتتيح بالتالي لدعامات مختلفة ومتعددة - وضمنها المؤلف نفسه أحيانا - فرصة إسماع صوتها وإبداء رأيها في القضايا الممسرحة، ولاسيما منها تلك المتعلقة بالظاهرة المسرحية نفسها.

ويبدو أن المؤلف قد استفاد كثيرا من هذه الوضعية، لأنه اقتنع بضرورة الخروج إلى مسرح الأحداث والجهر بمواقفه الخاصة إزاء ما يكتبه وتوضيح بعض خلفياته الجمالية والإيديولوجية، إذا اقتضى الحال.

لقد اجتمعت، إذن، عوامل داخلية تتعلق بالظاهرة المسرحية نفسها (الصراع، الحوار)، مع أخرى خارجية تتعلق بالصيرورة الثقافية لتجعل من الميتامسرح إجراء فعالا لترجمة دينامية المسرح الغربي. ويتجلى ذلك واضحا من خلال الوقوف على ظاهرتين أساسيتين في هذا المسرح هما :

- صراع المسارح.

- تناسخ الشعريات المسرحية.

فظاهرة " صراع المسارح La querelle des Théâtres " تعكسها نصوص مسرحية اعتمدت أساليب المواجهة والمنافسة والمحاكمة، بحيث أصبح الصراع فيها من طبيعة فكرية وأدبية، وتشكلت أقطابه الأساسية من المبدعين المسرحيين والنقاد والمنظرين وفلاسفة المسرح. ففي مسرحية " الضفادع " التي تؤسس لهذه الظاهرة الميتامسرحية يتواجه مؤلفان مسرحيان تراجيديان هما إسخيلوس ويوريبيديس من أجل فرض منظورهما الجمالي والسياسي عبر نوع درامي هو التراجيديا. وفي " المرتجلات " التي كتبها كل من جيرودو وموليير ويونسكو، نجد مواجهة بين المبدع وخصومه، سواء كانوا مبدعين أو سياسيين أو نقادا. ولعل الوقوف عند هذه النماذج من شأنه أن يثبت لنا أن ظاهرة صراع المسارح تلقي العديد من الأضواء حول الأبعاد الجمالية والإيديولوجية للظاهرة المسرحية في الغرب.

أما ظاهرة " تناسخ الشعريات المسرحية "، فتتصل، أساسا، بما يمكن الاصطلاح عليه بعقدة أوديب في المسرح الغربي. إن التباسات أرسطو باعتباره الأب المؤسس، ألقت بظلالها على تاريخ نظرية الأدب وعلى تاريخ الإبداع المسرحي في آن واحد. وقد تحولت الكتابة المسرحية، منذ الرومانسيين على الأقل، إلى محاولة لفك هذه العقدة، وبالتالي تصفية الحساب مع التركة الأرسطية.

إن إعلان فيكتور هيجو عن " ضرورة إزالة أرسطو عن عرشه Détrôner Aristote " (1) فتح الباب لتحولات حاسمة في الشعرية المسرحية. فإذا كان الكلاسيكيون قد جعلوا من الأرسطية عقيدة أو مذهبا، وليس منظورا جماليا نسبيا مرتبطا بعصره، فإن ثورة الرومانسيين قد دشنت عهدا جديدا للنص المسرحي الغربي انخرطت من خلاله شعرية المسرح في صيرورة التناسخ. إن التخلص من سطوة أرسطو اتخذ صيغا مختلفة انسجاما مع طبيعة العصر وتحولاته. فإذا كان قد اتخذ مظهرا أوليا مع الشعريات الباروكية، الكروتسكية والواقعية، فإنه سيتخذ بعدا حاسما في ارتباطه بظاهرة " التنظير الذاتي " أو تنظير المؤلف لحسابه الخاص(2)التي عرفها مسرح القرن العشرين الذي يعد قرن تنسيب الشعريات المسرحية. إن هذا التنسيب يمكن اعتباره ترجمة جمالية لروح عصر تميز بتحول القيم الثقافية والاجتماعية والسياسية يعكسها ميل الإنسان إلى التشكيك في كل الانتماءات والنزوع نحو الفردانية في اليومي، والثقافي على حد سواء.

لهذا، يمكن القول إن الفهم الحقيقي لظاهرة تناسخ الشعريات المسرحية - باعتبارها إحدى المهام الكبرى للميتامسرح في الغرب - لا يتأتى إلا بوضع هذا التفاعل بين الجمالي والسوسيو- ثقافي، في عين الاعتبار. ذلك أن الاختلاف بين شعرية المفارقات البيرانديلية والشعرية الملحمية البريشتية وشعرية السخرية العبثية ليس اختلافا في المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الخطاب المسرحي وحسب، وإنما هو اختلاف في الرؤى والايديولوجيات والفلسفات التي تسندها.

هوامـش:

(1) Victor Hugo (Cité par) Dominique Combe - les genres littéraires - p.25.

(2) Jean Jacques Roubine - Introduction aux grandes théories du Théâtre - p.2.

 

 

Contactez-nous

  Copyright © 2001 unecma.net