البرق كشف عن جسد امرأة كانت تنام على الرصيف أو
ربما كانت ميتة. تلتف في معطف أسود إلتمع كفرو ناعم حين ارتوى بزخات المطر العنيف.
كانت مصابيح المدينة مطفأة.. الليل.. وكعب حذائها الأحمر كان يبرز صفيحة زنك قديمة.
كل الظلال المرتسمة على الحائط في الخلف أوحت بغابة سوداء تهتز أشجارها فتصدر من
داخلها أصوات عقبان ونسور. تتكاثف عيونها بين الأغصان وتلتمع في ذهول جائع.
يمر الرجل الأول.. أو هكذا أوحى الظلام.. يقف
على الجسد مشتت النظر بين الجهات.. يقلبه، ثم يرفع اليد التي تسقط للتو، يرفعها
فيلتمع في أصبع صغير خاتم أصفر.. يستله.. عصيا. وبمدية يجتث الاصبع ويمضي بخطوات
أسرع في الظلام. تخفق في الغابة أجنحة ثم تحط على قرقعة حذاء يخترق الرصيفن وتظهر
امرأة عجوز. أذهلها الجسد الساقط، حامت حوله مرات فأغراها احمرار الحذاء. انتزعته
وأخفته تحت ملاءتها الداكنة مهرولة بخطى عرجاء مولية من نفس الطريق. في أفق الطريق.
سكران الخطأ كان الرجل الثاني. تعثر في الجسد، سقط عليه وقام. دوي بصيحة هزت كل
ظلال الغابة فارتعدت أعشاش مخيفة في الظلام. وكان انكسار البيض عند قدم الجدار مصدر
فزع رهيب. تلكأ ببعض الكلام وعرى الجسد النائم من معطفه الأسود القديم. طوح به في
الخلف وتهيأ لكشف الشهوة الجامحة.
وناعما كان الجسد في الظلام، يرقد مدمى من كل
الجهات. بدا للحظة يهتز ينبض مقتول، وكإسفنجة مملوءة بالدم، ارتفع بين مناقير
العقبان والنسور التي خفقت بأجنحتها مدوية بنواح حزين. ما أن صدع البرق ثانية حتى
أبان عن رصيف طويل وجدار.
|